فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وأقِيمُوا} فيه وجْهَانِ:
أظهرهما: أنَّهُ مَعْطُوفٌ على الأمْرِ المقدر أي الذي ينحل إليه المصدر، وهو {بالقِسْطِ} وذلك أنَّ القِسْط مصدر فهو ينحل لحرف مصدري، وفعل، فالتَّقديرُ: قل: أمر ربي بأن أقسطوا وأقيموا، وكما أنَّ المصدر ينحلُّ إلى أنَّ والفعل الماضي نحو: عَجِبْتُ من قِيَام زَيْدٍ وخرج، أي: من أن قام، وخَرَجَ ول أن وللفعل المضارع كقولها: [الوافر]
لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقرَّ عَيْنِي

أي: لأن ألبس عباءة وتقر، كذلك ينحل لأنَّ وفعل أمر؛ لأنَّهَا توصل بالثَّلاث الصِّيغ: الماضي والمُضارع والأمر بشرط التَّصَرُّف، وقد تقدَّم تحقيقُ هذه المسألة وإشكالها وجوابُهُ.
وهذا بخلاف ما فإنَّهَا لا تُوصَلُ بالأمْرِ، وبخلاف كي فإنَّهَا لا توصل إلا بالمُضَارِع، فلذلك لا ينحلُّ المصدر إلى ما وفعل أمر، ولا إلى كي وفعل ماضي أو مضارع.
وقال الزَّمخْشَرِيُّ: {أقيموا وجوهكم} أي: اقصدوا عبادته، وهذا من الزَّمَخْشَرِيُّ يحتمل تأويلين:
أحدهما: أن يكون قوله: {قل} أراد أنه مقدر غير هذا الملفوظ به فيكون {وأقيموا} معمولًا لقول أمر مقدر، وأن يكون معطوفًا على قوله: {أمر رَبِّي} فإنه معمول لـ {قل} وإنما أظهر الزَّمَخْشرِيُّ {قُلْ} مع أقِيمُوا لتحْقيق عطفيته على {أمر رَبِّي}.
ويجوز أن يكُون قوله: {وأقِيمُوا} معطوفًا على أمْرٍ محذوف تقديره قل: أقبلوا وأقيموا.
وقال الجُرْجانِيُّ صاحب النَّظْم: نسق الأمر على الجر وجاز ذلك؛ لأنَّ قوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي} قول لأن الأمْرَ لا يكُونُ إلا كلامًا، والكلام قول، وكأنه قال: قل: يقول ربي: اقسطوا وأقيموا، يعني أنَّهُ عطف على المعنى.
و{مسجد} هنا يحتمل أن يكون مَكَانًا وزمانًا.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: في وقت كلِّ سُجُودٍ، وفي مكان كلِّ سُجُودٍ، وكان من حَقِّ {مسجد} بفتح العين لضمها في المضارع، وله في هذا الشذوذ أخوات كثيرة مذكورة في التَّصريفِ.
قوله: {مُخْلِصينَ}
حال من فاعل {ادْعُوه}، {الدَّين} مفعولٌ به باسْمِ الفاعل وله متعلق بـ {مخْلِصِينَ} حال من فاعل {ادْعُوه}، و{الدِّين} مفعولٌ به باسْمِ الفاعل وله متعلق بـ {مخْلِصين} ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ حالٌ من {الدين}، والمراد اعبدوه مخلصين له الطَّاعة.
والعِبَادَة قال ابن الخطيب: المرادُ به أعمالُ الصَّلاةِ، وسمَّاها دعاءً لأنَّ الصلاة في اللُغة عبارة عن الدُّعاء، ونظيره قوله: {وَمَا أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [البينة: 5].
قوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ} الكاف في محل نَصْبِ نَعْتًا لمصدر محذوف تقديرُهُ: تعُودُون عَوْدًا مثل ما بدأكم.
وقيل: تقديره: تُخْرَجُونَ خُرُوجًا مثل ما بَدَأكُم ذكرهما مَكي، والأوَّل أليق بلفظ الآية الكريمة.
وقال ابن الأنْبَارِيِّ: موضع الكاف في {كما} نصب بـ {تَعُودُونَ} وهو على مذهب العرب في تقديم مفعول الفعل عليه أي: تعودون كما ابتدأ خلقكم.
قال الفارسي: كما بَدَأكُم تعودُون ليس على ظَاهِرِه إذ ظاهره تعودون على البَدْءِ، وليس المَعْنَى تشبيههم بالبَدْءِ، إنَّمَا المعنى على إعادة الخلق كما ابتدئ، فتقدير {كما بَدأكُمْ تعُودُون}: كما بدأ خلقكم أي: يُحيي خلقكم عودًا كبدئه، وكما أنَّه لم يَعْنِ بالبدء ظاهره من غير حذف المضاف إليه، كذلك لم يَعْنِ بالعود من غير حذف المُضافِ الذي هو الخلق فلما حذف قام المضاف إليه مَقَامَ الفاعِلِ، فصار الفَاعِلُونَ مخاطبين.
كما انه لما حذف المضاف من قوله: {كما بدأ خلقكم} صار المخاطبون مفعولين في اللفظ قال شهاب الدين: يعني أنَّ الأصل كما بَدَأ خلقكم يعودُ خلقكم، فحذف الخلق في الموضعين وصار المخاطبون في الأوَّلِ مفعولين بعد أن كَانُوا مجرورين بالإضافة أيضًا وفي الثاني صاروا فَاعِلينَ بعد أنْ كانوا مجرورين بالإضافة.
وبدأ بالهمز أنشأ واخترع، ويستعمل بهذا المعنى ثلاثيًا ورباعيًا على أفْعَلَ فالثلاثيُّ كهذه الآية، وقد جمع بين الاستعمالين في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيءُ الله الخلق} [العنكبوت: 20] فهذا من أبدأ ثم قال: كيف بدأ الخلق، هذا فيما يتعدى بنفسه.
وأما ما يتعدَّى بالباءِ نحو: بَدَأتُ بكذا بمعنى قدَّمته وجعلتهُ أوَّل الأشياء، يقال منه: بَدَأتُ به وابتدأت به.
وحكى الرَّاغِب أيضًا أنَّهُ يقال من هذا: ابْدأتُ به على أفْعَلَ وهو غريب.
وقولهم: أبْدأت من أرض كذا أي: ابتدأت منها بالخُرُوجِ والبَدْء السيد سمي بذلك؛ قيل: لأنه يبدأ به في العد إذا عُدَّ السَّادَات وذكروا عليه قوله: [الوافر]
فَجِئْتُ قُبُورَهُمْ بَدْءًا ولَمَّا ** فَنَادَيءتُ القُبُورَ فَلَمْ تُجِبْنَهْ

أي جئت قَبُورَ قومي سيّدًا ولم أكن سَيّدًا، لكن بموتهم صيّرت سيّدًا، وهذا ينظر لقول الآخر: [الكامل]
خَلَتِ الدِّيَارُ فَسُدْتُ غَيْرَ مُسَوَّرِ ** وَمِنَ العَنَاءِ تَفَرُّدِي بالسُّؤدُدِ

وما مصدريَّةٌ، أي: كبدئكم. اهـ. باختصار.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِالقِسْطِ}.
القِسط العدل، ويقع ذلك في حق الله تعالى، وفي حق الخلْق، وفي حق نفسك؛ فالعدلُ في حقِّ الله الوقوفُ على حدِّ الأمر من غير تقصير في المأمور بِهِ أو إقدامٍ على المنهيِّ عنه، ثم ألا تدخِّر عنه شيئًا مما خوَّلك، ثم لا تُؤثِرَ عليه شيئًا فيما أحلَّ لك. وأمَّا العدل مع الخلْق- فعلى لسان العلم- بذلُ الإنصاف، وعلى موجِب الفتوة ترك الانتصاف. وأمَّا العدل في حق نَفْسِك فإدخال العتق عليها، وسدُّ أبواب الراحة بكل وجه عليها، والنهوض بخلافها على عموم الأحوال في كل نَفَس.
قوله جلّ ذكره: {وَأَقِيمُوا وَجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.
الإشارة منه إلى استدامة شهوده في كل حالة، وألا تنساه لحظةً في كلِّ ما تأتيه وتذره وتقدمه وتؤخره. اهـ.

.قال الفخر:

قال عَطاء، والسُّدّي {بالقسط} بالعدل وبما ظهر في المعقول كونه حسنًا صوابًا.
وقال ابن عباس: هو قول لا إله إلا الله والدليل عليه قوله: {شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم قَائِمًا بالقسط} [آل عمران: 18] وذلك القسط ليس إلا شهادة أن لا إله إلا الله.
فثبت أن القسط ليس إلا قول لا إله إلا الله.
إذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى أمر في هذه الآية بثلاثة أشياء.
أولها: أنه أمر بالقسط، وهو قول: لا إله إلا الله.
وهو يشتمل على معرفة الله تعالى بذاته وأفعاله وأحكامه، ثم على معرفة أنه واحد لا شريك له.
وثانيها: أنه أمر بالصلاة وهو قوله: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} وفيه مباحث:
البحث الأول: أنه لقائل أن يقول: {أَمَرَ رَبّي بالقسط} خبر وقوله: {وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} أمر وعطف الأمر على الخبر لا يجوز.
وجوابه التقدير: قل أمر ربي بالقسط.
وقل: أقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين.
البحث الثاني: في الآية قولان: أحدهما: المُراد بقوله: {أَقِيمُواْ} هو استقبال القبلة.
والثاني: أن المراد هو الإخلاص، والسبب في ذكر هذين القولين، أن إقامة الوجه في العبادة قد تكون باستقبال القبلة، وقد تكون بالإخلاص في تلك العبادة، والأقرب هو الأول، لأن الإخلاص مذكور من بعد، ولو حملناه على معنى الإخلاص، صار كأنه قال: وأخلصوا عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين، وذلك لا يستقيم.
فإن قيل: يستقيم ذلك، إذا علقت الإخلاص بالدعاء فقط.
قلنا: لما أمكن رجوعه إليهما جميعًا، لم يجز قصره على أحدهما، خصوصًا مع قوله: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} فإنه يعم كل ما يسمى دينًا.
إذا ثبت هذا فنقول: قوله: {عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} اختلفوا في أن المراد منه زمان الصلاة أو مكانه والأقرب هو الأول، لأنه الموضع الذي يمكن فيه إقامة الوجه للقبلة، فكأنه تعالى بين لنا أن لا نعتبر الأماكن، بل نعتبر القبلة، فكان المعنى: وجهوا وجوهكم حيثما كنتم في الصلاة إلى الكعبة وقال ابن عباس: المراد إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد فصلوا فيه، ولا يقولن أحدكم، لاأصلي إلا في مسجد قومي.
ولقائل أن يقول: حمل لفظ الآية على هذا بعيد، لأن لفظ الآية يدل على وجوب إقامة الوجه في كل مسجد، ولا يدل على أنه لا يجوز له العدول من مسجد إلى مسجد.
وأما قوله: {وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} فاعلم أنه تعالى لما أمر في الآية الأولى بالتوجه إلى القبلة، أمر بعده بالدعاء، والأظهر عندي أن المراد به أعمال الصلاة، وسماها دعاء، لأن الصلاة في أصل اللغة عبارة عن الدعاء، ولأن أشرف أجزاء الصلاة هو الدعاء والذكر، وبين أنه يجب أن يؤتى بذلك الدعاء مع الإخلاص، ونطيره قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [البينة: 5] ثم قال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} وفيه قولان:
القول الأول: قال ابن عباس: {كَمَا بَدَأَكُمْ} خلقكم مؤمنًا أو كافرًا {تَعُودُونَ} فبعث المؤمن مؤمنًا، والكافر كافرًا، فإن من خلقه الله في أول الأمر للشقاوة، أعمله بعمل أهل الشقاوة، وكانت عاقبته الشقاوة، وان خلقه للسعادة أعمله بعمل أهل السعادة، وكانت عاقبته السعادة.
والقول الثاني: قال الحسن ومجاهد: {كَمَا بَدَأَكُمْ} خلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئًا، كذلك تعودون أحياء، فالقائلون بالقول الأول: احتجوا على صحته بأنه تعالى ذكر عقيبه قوله: {فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} وهذا يجري مجرى التفسير لقوله: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} وذلك يوجب ما قلناه.
قال القاضي: هذا القول باطل، لأن أحدًا لا يقول إنه تعالى بدأنا مؤمنين أو كافرين، لأنه لابد في الإيمان والكفر أن يكون طارئًا وهذا السؤال ضعيف، لأن جوابه أن يقال: كما بدأكم بالإيمان، والكفر، والسعادة، والشقاوة، فكذلك يكون الحال عليه يوم القيامة.
واعلم أنه تعالى أمر في الآية أولًا بكلمة القسط وهي كلمة لا إله إلا الله، ثم أمر بالصلاة ثانيًا، ثم بين أن الفائدة في الإتيان بهذه الأعمال، إنما تظهر في الدار الآخرة، ونظيره قوله تعالى في طه لموسى عليه السلام: {إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدنى وَأَقِمِ الصلاة لِذِكْرِى إِنَّ الساعة ءاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 14، 15]. اهـ. بتصرف يسير.